بقلم : حسن حاتم المذكور - للأعلام وظيفة في غاية الأهمية , تتلخص في نقل
المعلومة ( الحقيقة ) من داخل الدهاليز السياسية والاقتصادية والعسكرية إلى
متناول إدراك المجتمع ليستطيع الإمساك بها سلاحاً لحماية نفسه من تجاوزات
الدولة , تلك الوظيفة النبيلة , اقتنع بها وضحى من اجلها الكثير من
الإعلاميين الأوائل , واكتسبت بجدارة دور السلطة الرابعة من حيث أثرها
الإيجابي , ونظراً للأهمية الفائقة لدور الأعلام , اندفعت سلطتي السياسة
والاقتصاد بأتجاه احتوائه وحرفه عن صلب وظيفته كسلطة رابعـة , وأعادت ترتيب
أوراقه تابعاً ذليلاً مهرجاً داخل مؤسسات أجندتها وحصر مهمته في تسويق
الإشاعات والأكاذيب والتعتيم على الحقائق , لينتهي به الأمر مؤسسات ارتزاق
لا مانع لديها من تبييض وجه الجرائم السياسية والاقتصادية والعسكرية
والأخلاقية .
لم يعد الأعلام كما كان سلطة رابعة لها هيبتها ووظيفتها الاجتماعية , بقدر
ما هو الآن مؤسسات تحت تصرف من يمتلك السلطة والمال , تسخر كل طاقاتها
وخبراتها للنيل من قضايا الناس ومصالحهم عبر إتقان لعبة التشويه والتضليل
والتجهيل والاستغفال للإيقاع بالوعي الجمعي وتلطيف صورة الهاوية .في السنوات الثمانية الأخيرة , أصبح العراق صيداً في متناول الأعلام المشبوه , فكانت الإشاعات والأكاذيب والتشهير والتشويه , الرصاصة التي أصابت مقتلاً في العلاقة بين المواطن والدولة .
الطغم المخابراتية والأستخباراتية المتبقية من المؤسسات الإعلامية للنظام البعثي , كانت مدربة تتقن مهنتها في تعميم الإشاعات والأكاذيب والإساءات , وقد حققت نجاحات في اختراق الشارع العراقي وتركت أثارها سلبية على مفاهيم المواطن وقناعته ومواقفه إزاء ما هو ايجابي من انجازات على أصعدة هامش الحريات الديمقراطية والتحسن النسبي امنياً وخدمياً ومعاشياً , وجعلته يعيش متوتراً متذمراً من كل شي حوله و متشككاً حتى من التحولات الايجابية في حياته الشخصية والعائلية الى الحد الذي لا يتردد فيه عن المقارنة الظالمة بين الحالة العراقية الراهنة وبين ما كان عليه العراق في الزمن ألبعثي , حتى بلغ الأمر سذاجة الترحم على ما كان عليه العراق .
انه إعلام الإشاعات وفبركة الأكاذيب متفوقاً أمام تراجع دفاعات الأعلام الرسمي وغياب دور الإعلاميين العراقيين , فإصابات الأعلام المأجور , قد اخترقت جدار وعي المثقف والسياسي العراقي وشوهت قناعته ومواقفه الوطنية إزاء ما يتعرض له العراق , وقد بلغ الأمر ببعض المؤسسات الإعلامية العملاقة , والمحسوبة وطنياً على الشارع العراقي , أن تصبح معاول هدم في يد من لا يريد خيراً للعراق .
البعض من مثقفينا وسياسيينا تراجعت مواقفهم وارتبكت موضوعيتهم واخذ منهم الإحباط والتخبط مأخذه , وأصبح نتاج بعضهم شرايين تنقل رسائل البعث إلى الرأي العام , إنهم ضحايا افترسها الأعلام المأجور وتركها بقايا سلبية من ماض كان يوماً ايجابياً.
كمثقفين وسياسيين , أصبح بعضنا خارج وظيفته وانتهى به الأمر إلى نقطة ضعف يعاني منها الواقع العراقي , تخلفنا عن الجيد وتخلينا عن قيم ماضينا المعارض , وليس من السهل إقناعنا على إننا أصبحنا خارج التزاماتنا الوطنية والإنسانية , المهم أن نواصل ردحنا على طبول الغير حتى ولو كان على إضلاع الوطن والمواطن .
نصيحة لا تضر أحدا وقد يرفضها البعض : أن إعلام الإشاعات والأكاذيب وتشويه الحقائق وتضليل الناس , قد ضربت العلاقة والثقة بين السلطات والجمهور في الصميم , وبعد أن عبأت بعض الأطراف اغلب كوادرها وقواعدها داخل الدوائر الحكومية وتركتها فريسة لمظاهر الفساد والمحسوبية والمنسوبية والرشوة حيث جففت فيها القيم والمبادئ والتقاليد والعلاقة مع جمهورها , خاصة وان الدوائر الحكومية بشكل عام , لا تحظى بسمعة مقبولة لدى الجمهور, وهذا يشكل عبأً إضافياً تتحمله سمعة الحكومة بالذات .
لقد تغير مزاج الجماهير عما كان عليه قبل انتخابات 07 / 03 / 2010 , وقد تجري الرياح بما لا تشتهي سفن بعض الأطراف في الانتخابات القادمة , وهذا احتمال وارد لا يمكن ترقيعه بتصريحات أو خطب فوقية واستعراضات إعلامية غير واثقة من تأثيرها , فالأمر أن كان مرحب به قبل أربعة أعوام , لم يكن الآن مغرياً يثير اهتمام الجمهور , ثم أن خيبات الأمل واليأس قد مزقت ثوب الثقة بوعود المسئولون , خاصة وان تمدد الفساد وشراسة الإرهاب إلى جانب عبثية الصراعات بين إطراف حكومة الشراكة , وغياب الجدية وسرعة الحسم في معالجة الإشكالات التي أصبح علاجها ملحاً , قد ضاعفت من لا أبالية الجماهير وسلبية مواقفها إزاء ما يتعلق بسلامة وطنها ومستقبل قضاياها .
ختاماً : على الحريصين من داخل الحكومة وخارجها , ان يدركوا , أن الدول التي أصيبت بكوارث الفاشية والنازية والشمولية , استطاعت اجتثاث إخطارها بقوة الأعلام الموجه, وليس بالإجراءات القانونية لوحدها , وعليها أن تدرك أيضاً , أن البعث قد ترك ( زرع ) الكثير من كوادره الإعلامية المجربة في مفاصل الأعلام الرسمي وغير الرسمي , تتحرك بمهنية وخبرة استخباراتية عالية بغية شل قدراته وإعاقة دوره , مستغلاً بذلك علاقات متشابكة معقدة نسجت من داخل مدرسة إعلام النظام ألبعثي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رايك محترم حينما يكون رايا محترما يضيف ولايسئ ..